عقدت الحركة من أجل الحكم الذاتي بالريف يوم 10 ابريل الجاري أول لقاء لها بمدينة لوفن ببلجيكا. وما كنت لأكتب هذا المقال لولا خطورة المسار الذي أخذت تنحوه بعض الشخصيات المحسوبة على الحركةالامازيغة . فبالعودة الى المؤهلات الفكرية والثقافية والسياسية لهؤلاء نستشف أن هؤلاء ليسوا أكثر الامازيغ تأهيلا لقيادة مثل هذا المطلب. لكن بشيء من التدقيق و التمحيص يتبين بأن اللقاء لم يكن بريئا ،فهو ينضم بانعقاده في هذه الظرفية بالذات الى سلسلة الأحداث والقضايا التي تقف المخابرات الجزائرية وممثلي البوليساريو وعملائهم، من ورائها بالدعم المادي والإعلامي لتكثيف الحملات والهجمات الإعلامية ضد الوحدة الترابية للمغرب ، بداية من قضية أميناتو حيدر التي إنكشف ضلوع المخابرات الجزائرية في تحريك خيوطها بكتابة السيناريو وترتيب انتشارها الإعلامي في الغرب ،مرورا بلقاءات أعضاء من البوليساريو مع المثليين المغاربة بمدريد وصولا الى مغازلة كل المعادين للشعب المغربي ولقيمه الإجتماعية والدينية والاخلاقية.ولما اتضحت اللعبة مع كل هؤلاء تم استدراج هذه الشرذمة من أبناء الريف بالدعم المادي والإعلامي.بل الأمر أكثر خطورة من هذا إذ اتضح ان بعض المشاركين في اللقاء لهم علاقات وطيدة مع البوليساريو، لذلك فهم لا يدخرون جهدا في التبجح بعدالة قضيتهم وضرورة مساندتهم لتقاسمهم والأمازيغ نفس المطلب السياسي المتمثل في تحقيق الإستقلال والتحرر من النظام القومجي العروبي كما يردد فكري الأزرق في جل مقالاته. باعتباره منظرالحركة كما يدعي .
وما يؤكد صحة قولنا هو غياب ممثلين عن الحركة الثقافية الامازيغية الذين يتواجدون في الخارج كرشيد الراخا عن الكونغريس العالمي الامازيغي أو في الداخل كرئيس الحزب الديموقراطي الأمازيغي الممنوع حسن ايد بلقاسم أو بعض التجمعات الديموقراطية؛ لأن النضال الأمازيغي الشريف حسب المناضلين الشرفاء ينتهي ببيع الذات ضدا على سيادة الوطن.
انعقاد لقاء من هذا الحجم، بهذا النوع من الإرتجالية والتسرع وغياب الحس الإحترافي دليل واضح على غياب إستراتيجية سياسية وفكرية كفيلة برسم طريقة اشتغال واضحة و ناجعة، للدفع بهذا المطلب الى تحقيق العائد السياسي والإعلامي المطلوب منه.وذلك رغم حضور قناة الجزيرة التي كرست بتغطيتها للقاء صحة المقولة التقليدية”فاقد الشيئ لايعطيه” حين رفض الناطق الإعلامي للحركة محمد انعيسي الإجابة عن سؤال يحيل الى موقع ملك البلاد من مطلب الحكم الذاتي ذلك باصطناع انقطاع الصوت.الأمر الذي يفسر ضبابية هذا الطرح وعدم ضبط القائمين عليه لجميع خيوط اللعبة السياسية والهرولة إلى الأمام دون تعميق النقاش حول جميع ملابسات هذا الملف.
هذا التهافت نحو الإساءة الى أبناء الريف بمحاولة الظهور بمظهر المدافع عن قضاياهم هو أمر لا يخدم إلا أعداء الوطن .ولا يزيد إلا في تعميق الهوة بين هؤلاء المطالبين بالحكم الذاتي والأمازيغ أنفسهم .فليتأكد القارئ من صحة ما أقول بالحديث عن الحكم الذاتي للريف في الأسواق والمساجد ،مع أمه وأبيه وأخته وأخيه ليستشف أن ثمة قضايا استعجالية لها علاقة مباشرة بحياة الإنسا ن الريفي العادي يجب الدفاع عنها فورا بدل الهروب إلى الأمام وتجاهل القضايا الحقيقية لابناء الريف في الداخل والخارج.لكن هؤلاء قد يردون بأن أفق المثقف أبعد من الإهتمامات اليومية للإنسان الريفي البسيط؛ وعلى هذا سأعقب بأنني بقراءة ما يكتبه هؤلاء في الواقع كأمثال فكري الأزرق ورمسيس بولعيون… ثم سماع حوارت كريم مصلوح ومحمد إنعيسي(أفدجاح) ويوسف الراشدي وغيرهم، أجدني مضطرا إلى القول بأن هؤلاء القوم هم من طينة غير ثقافية ولا سياسية لأنهم لا زالوا حبيسي النظرة السبعينية للمجتمع المغربي حيث القومية العربية والمخزن العروبي والاحزاب الرجعية مفاهيم شكلت ركن الخطاب السياسي لهذه الفترة .دون الأخذ بعين الاعتبار التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية التي عرفها المجتمع المغربي والدولي منذ انهيار جدار برلين إلى ألان . وهم لا يسعون فقط إلى الركوب على حصان من خشب دون متاع ثقافي أو حنكة سياسية أو تجربة ميدانية تمنح لهم شرعية الحديث باسم الريف داخليا وخارجيا.بل الأدهى من هذا أنهم يتحدثون باسم أهل الريف في “الشتات” في الوقت الذي يتم تضييق الخناق على هؤلاء أكثر من أي وقت مضى وذلك بتصاعد موجة الكراهية ضد المسلمين في جميع الدول الاوروبية،واستصدار قوانين معادية تقلص من ممارستهم لأبسط الحريات.أضف إلى ذلك تصريحات المثقفين والساسة التي اتخذت في الاونة الأخيرة منحى عنصريا تضرب صميم الهوية الثقافية والدينية لهذه الجالية التي ينخرط الأمازيغ في حركتها وهموها.
وهنا أقف برهة لأتساءل: ألا يحس أصحاب الحكم الذاتي بأنهم يغردون خارج السرب ؟ هل يعتقدون فعلا بأننا نحتاج لأمثالهم هنا في المهجر ؟
أجزم بأن هذه الحركة بالنسبة للسياسي والمثقف الغربي، مثلها مثل حركة وكالين رمضان؛والمنادين بمنع أضحية العيد على الفايسبوك ،وجمعية المثليين،ومترجمي القرآن إلى الدارجة ،والمدافعين عن حرية التنصر، كلهم يشكلون في نظره المادة الخام للتهجم على المسلمين في أوروبا وإظهارهم بمظهر المعادين للديموقراطية وحقوق الإنسان والحاملين للفكر الظلامي الذي لايتماشى مع القيم الديموقرطية و العلمانية للغرب .
هذا الخطاب المعادي للاجانب يجد صداه بسهولة لدى ناخبي اليمين المتطرف والجماعات العنصرية كما نلمسه في النتائج الانتخابية التي حصلت عليها التنظيمات السياسية المؤطرة لهؤلاء في السنوات الأخيرة ، كما هو الشأن بهولاندا وبلجيكا وفرنسا وايطاليا وسويسرا. حيث قوى اليمين المتطرف أضحت تكتسب قاعدة جماهيرية من شأنها أن تهدد في المستقبل سلامة واستقرار ملايين المسلمين ومنهم الأمازيغ .(إذا لم يعترض أصحاب الحكم الذاتي على كون الأمازيغ مسلمين أيضا).
أمام وضعية مأساوية يتخبط فيها أمازيغ المهجر؛ ألا نحتاج لمن يدافع عنا لتلميع صورتنا غير الحضارية لدى الإنسان الغربي بدل توسيع الفجوة بتقديمنا كضحايا جدد رفض مخزنهم منحهم إستقلالهم الذاتي .ألا نحتاج إلى مثقفين،ملمين بتاريخنا وثقافتنا قبل أن يختزلوا الهوية إلى مجرد لغة.
إننا في بلاد المهجر نحتاج إلى مثقفين يتحدثون نفس لغة الآخر، لكن محملة بذاتنا وتاريخنا وثقافتنا وهويتنا لنهدم حجتة ونقدم الصورة على حقيقتها دون تشويه كي يقتنع الإنسان الاوروبي العادي بأن ما يعانيه من أزمات إقتصادية وإجتماعية وفكرية لا ناقة لنا فيها ولا جمل ،بل هي نتيجة محضة لخيارات سياسية إقتصادية غيبت الإنسان من حساباتها،وحاولت أن تغطي على ذلك بجعل المهاجر مشجبا تعلق عليه كل صعوبات ومشاكل المواطن الاوروبي.
إن تصاعد موجة الكراهية ضد الاجانب في الغرب يرمي بجدية الحركة من أجل الحكم الذاتي على هامش القضايا اليومية لأبناء الريف في المهجر .فهل بالحكم الذاتي نستطيع أن نوفر العيش الكريم لجميع أبناء الريف حتى يتمكن المهاجر الريفي أن يعود إلى قريته معززا مكرما بحقه في العمل والصحة والضمان الإجتماعي وما إلى ذلك من المكتسبات الإجتاعيةالتي حصل عليها في الدول الأوروبية.أنا على يقين بان تحقيق كل ذلك هو من قبيل الحلم المستحيل ؛فلنتريث إذن ولندافع عن شرعية تواجدنا في أوروبا قبل أن نشكك في شرعية تواجدنا في المغرب.
0 التعليقات: